السبت، 16 أغسطس 2014

أسرة يطاردها شبح السرطان


أسرة يطاردها شبح السرطان








عاشت كالمحارة على ضفاف الرمال والزبد، تكسرها أمواج الزمن، ثم ما تلبث تلملم جرحها وتنفض عنها غبار الأحزان، فتقف فاتحة ذراعيها، لعل الزمن يعود إلى نقطة الصفر، فتطير كفراشة مدللة بين أحضان والديها. إنها ثريا ذات 28 ربيعا، طارد شبح السرطان أفراد أسرتها، وأخذ واحدا تلو الآخر إلى الدار الأخرى، وهاهي اليوم تقاوم هذا الشبح، لكنه مصر على أن يجثم على صدرها حتى الموت.. فهل ستنجو ثريا من مخالبه؟
استيقظت باكرا، توجهت إلى المطبخ أهيء وجبة فطوري، قبل انصرافي إلى الثانوية، حيث سأجري امتحانات الباكالوريا، عرجت على غرفة والدتي، لعلي أجدها مستيقظة، فأنال رضاها، وتمطرني كالعادة بدعوات تيسر ما تعسر. كانت نائمة شاحبة الوجه، أمسكت بيدها أقبلها، وجدتها باردة، حاولت مخاطبتها لكنها لا تستجيب لندائي وفيما بعد لصراخي. رحلت والدتي في صمت بعد شهور من المعاناة مع مرض السرطان القاتل..
مرت الأيام متثاقلة حزينة في بيتنا، أسرتي تفرقت وافترقت، لم يعد إخوتي الذكور يزوروننا، كل حمل أسرته بعيدا لربما خوفا من أن يطاردهم شبح السرطان الذي اختطف أمي وقبلها بسنة ونصف خطف خالتي، ومازالت لم تبلغ 45 من عمرها.
اختلطت أوراق حياتي اسرخصت كل شيء، وما زلت أفكر في وضعي مستقبلا حتى صعقت بخبر هز كياني، أصيبت شقيقتي الكبرى بالمرض ذاته الذي أذهب أرواح معظم أفراد عائلتي. شقيقتي أم لطفلين أكبرهما لم يبلغ بعد السن الخامس والآخر ما زال رضيعا، انتقلت إلى بيت شقيقتي أساعدها على تحمل أعباء الحياة ومنها المرض.
صورة والدتي وخالتي ذاتها تتكرر، أضحت شقيقتي شاحبة الوجه، مستسلمة للمرض في حين ينصح الأطباء بأن نظل أقوياء بمعنويات عالية، لأنه نصف العلاج، لكن ما عساها أن تفعل وهي تدرك أن المرض قضى على والدتها وخالتها.
أيام قليلة مرت، ثم دخلت مرحلة العلاج الكيماوي، فزادها هزالا ووهنا، حتى التحقت بكوكبة الأموات من عائلتي .
بعد أيام عصيبة، طلب مني زوجها الزواج حتى أكون أما عطوفا على أبنائه، وافقت على مضض ولأجل الأطفال فحسب.
مرت خمس سنوات وشبح السرطان يطاردني أينما حللت، أعيش كابوس الموت كل ليلة، لأنه لا يعقل أن يكون المرض رحيما بي لوحدي ولا يسكن جسدي. ذهبت للطبيب وعرضت عليه إمكانية استئصال الثديين كما فعلت النجمة الأمريكية أنجيلا جولي، لكن الطبيب سخر مني وقال إن والدتك توفيت بسرطان الرحم وخالتك بسرطان الدماغ، ثم شقيقتك توفيت بسرطان الثدي، لعلها الصدفة من حملت هؤلاء على نعش مرض واحد. فنصحني أن أجري فحوصات وأشعة بشكل دوري، فيمكنني حينها أن أواجه هذا الشبح إذا تسلل إلى جسدي وأهزمه إذا أصابني، لأن إمكانية الشفاء منه إذا اكتشف مبكرا أصبحت كبيرة على حد قول الطبيب.
هكذا تمسكت بنصيحته، وأضحت شعارا أرفعه، وقررت أن أعيش حياتي – بطولها وعرضها كما يقال- وألا أضيع في ردهات القلق والخوف، فلن يصيبني إلا ما قد كتبه الله لي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق